منتديات دموع الحب
منتديات دموع الحب
منتديات دموع الحب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات دموع الحب


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  الصبر

اذهب الى الأسفل 
+2
القاتل المجرم
Mahmoud Sultan
6 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Mahmoud Sultan
عضـو متمـيز (ذهـبى)
عضـو متمـيز (ذهـبى)
Mahmoud Sultan


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 18/07/2010
المشاركات: المشاركات: : 441
الموقع: الموقع: : BeLQaS

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: الصبر    الصبر Icon_minitimeالأحد يوليو 18, 2010 6:24 pm

[size=24]الصبر

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه
ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
سيدنا محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران:102
]




﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيباً ﴾[النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴿70﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾[الأحزاب:70-71]
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي نبينا محمد - صلى الله عليه
وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
. ثم أما بعد، فحياكم الله جميعًا أيها الإخوة الفضلاء، وأسأل الله - سبحانه
وتعالى - الذي جمعنا في هذا اللقاء الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة
مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه وليُّ ذلك ومولاه. قال المصنف رحمه الله
تعالى ( اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَع
مَسَائِلَ:
المسألة الأُولَى: الْعِلْمُ:
وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ
. )




وقد فصلنا القول في هذه المسألة الأولى ( المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ
بِهِ، المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ ) موضوع درس اليوم ونحن اليوم
بإذن الله تعالى على موعد مع المسألة الرابعة ألا وهي قوله رحمه الله ( الصَّبْرُ
عَلَى الأَذَى فِيهِ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿
وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴿3﴾﴾[
العصر:1-3] ). فضل الصبر ما أحوجنا جميعاً إلى هذه المسألة، الصبر جواد لا يكبو،
وجند لا يهزم، وحصن لا يهدم . 1- وقد شرف الله أهل الصبر وأكرمهم فجعلهم في معيته
ويا لها من كرامة، وأكرمه فجعله في معيته ويا لها من كرامة فقال - جلّ وعلا - ﴿
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾[البقرة:153] . والمعية نوعان: معية عامة،
ومعية خاصة، المراد بالمعية في الآية هنا، المعية الخاصة ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ ﴾ هذه هي المعية الخاصة معية النصر والمدد، والتأييد، والفضل، فيا
لها من كرامة أن تكون أيها الصابر في معية الله - تبارك وتعالى 2- بل لقد ذكر الله
- جلّ جلاله - في قرآنه أن الله - سبحانه وتعالى - يحب الصابرين، ﴿ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾[آل عمران: 146] فإن كنت أيها الصابر في معية الله فممن
تخاف؟! وإن كان الله يحبك فعلى أي شيء تحزن . 3- وقال الله - سبحانه وتعالى - وقد
جمع للصابرين هذه البشريات التي لم يجمعها لغيرهم قال - جلّ جلاله - ﴿
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾[البقرة:155]
. من الصابرون؟ قال الله - جلّ جلاله - ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
﴾[البقرة:156] انظر إلى فضل الله عليهم ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾[البقرة:157] . فجمع الله
للصابرين من البشريات ما لم يجمعه أبداًُ لغيرهم ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ
مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ . 4- بل بين الله
كرامة الصابرين حين تدخل الملائكة عليهم الجنة لتبشرهم ولتحييهم هذه التحية
الكريمة فقال - سبحانه وتعالى - ﴿ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ
كُلِّ بَابٍ ﴿23﴾ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾[الرعد:23-24].
5- ثم أجمل الله - جلّ جلاله - فضل الصابرين فقال - سبحانه وتعالى - ﴿ إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾[الزمر: 10] . أي لا يعلم
أجر الصابرين إلا الله ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ ﴾ والحديث عن آيات الصبر في القرآن حديث طويل جميل بطول الصبر وجماله
وجلاله . 6- وبالجملة قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى لقد ذكر الله الصبر في
القرآن في تسعين موضعاً وهذا إن دل فإنما يدل على شرف الصبر ومكانة الصبر بل لا
تنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين. 7- قال ابن القيم: إذا تزوج الصبر
باليقين حصل بينهما ولادة الإمامة في الدين، قال - جلّ جلاله - ﴿ وَجَعَلْنَا
مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَ﴾ [السجدة:24] . تدبروا معي لا تنال
الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين، وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا متى قال -
جلّ جلاله - ﴿ لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ . السؤال ما
الصبر ؟ هذه مقدمة مختصرة في فضل الصبر، ومكانته فما الصبر إذاًَ ؟ الصبر -أيها
الأحبة- لغة: هو الحبس والمنع . فهو: حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي
وحبس الجوارح عن المعاصي. الصبر منهج الصبر دين ليس مجرد كلمة يرددها مبتلى، بعد
أن يقول ما يسخط ربه - تبارك وتعالى - وبعد أن يفعل ما نهى النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن فعله ثم بعد ذلك يقول أنا صابر، كلا كلا، إنما الصبر عند الصدمة الأولى،
فالصبر حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي عن الشكوى، وحبس الجوارح عن
المعاصي. والتحقيق حتى لا أشق على إخواني وأخواتي ممن يحضرون معنا الآن وممن
يتابعوننا . التحقيق أن الشكوى نوعان: شكوى محمودة . وشكوى مذمومة . شكوى إلى
الله، وشكوى من الله، أما الشكوى إلى الله فهي من كمال وتمام العبودية، فلقد ذكر
الله - تبارك وتعالى - نبياً كريماً من أنبيائه ألا وهو يعقوب على نبينا وعليه
الصلاة والسلام، الذي قال الله عنه ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾[يوسف: 18] والصبر الجميل
هو الصبر الذي يستعلي صاحبه عن الألم وعن الشكوى، هو الصبر الذي يبتغي به صاحبه
وجه الله - تبارك وتعالى - فهو لا يصبر من أجل أن يقول الناس صبر، ولا خوفاً من أن
يقول الناس جذع، لا، بل هو يستعلي على آلامه وأحزانه ابتغاء وجه الله - تبارك
وتعالى - هذا هو الصبر الجميل، فيعقوب على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام يقول: ﴿
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾[يوسف: 18] .
حينما جاء أولاده وأخبروه بهذا الخبر المفزع الآليم، ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ
الذِّئْبُ ﴾ [يوسف:17] الآيات، فقال قولته الجميلة ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ
الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ ومع ذلك فقد اشتكى إلى الله، قال ﴿ قَالَ
إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾[يوسف:86] فالشكوى إلى الله لا
تنافي الصبر بل اشكو حالك إلى الله، واشكوا فقرك إلى الله، واشكو ضعفك إلى الله،
واشكوا عجزك إلى الله، وقم بالليل واطرح قلبك بذل وانكسار بين يديه واشكوا له كل
ما تعاني . بك أستجير ومن يجير سواك فأجر ضعيفاً يحتمي بحماك

إني ضعيف أستعين على قوي ذنبي
ومعصيتي ببعض قواك





أذنبت يا ربي وقادتني ذنوب ما
لها من غافر إلاك





دنياي غرتني وعفوك شدني ما
حيلتي في هذه أو ذاك





لو أن قلبي شكّى لم يك مؤمناً
بكريم عفوك ما غوى وعصاك





رباه هاأنذا خُلصت من الهوى
واستقبل القلب الخلي هداك





رباه قلب تائب ناجاك أترده؟
وترد توبة تائب حشاك





أترده وترد صادق توبتي حشاك
ترفض تائباً حشاك









فليرضى عني الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاك





فقم واشكوا حالك إليه فهذا من
تمام وكمال عبوديتك بين يديه - جلّ جلاله
- .




أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام الذي أثنى عليه ربنا - تبارك وتعالى -
بصفة الصبر فقال - جلّ جلاله - ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾ [صّ: 44] لاحظ أن
الذي يحكم لأيوب هو ربنا - تبارك وتعالى - ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ
الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ ومع ذلك فقد شكى أيوب حاله إلى الله - جلّ جلاله -
شكى حاله إلى الله - تبارك وتعالى - بكلمة رقراقة جميلة ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ
﴾[الانبياء:83] مسني لم يقل أهلكني مع أنه فقد ماله وفقد أولاده وفقد صحته
وعافيته، وابتلي بمرض أقعده في الأرض أو في الفراش، وليس كما يقول من لا يحترمون
الدليل ولا العقل أن الدود ملأ جسده إلى آخر هذه الإسرائليات والأكاذيب، فقد ماله،
وفقد أهله وابتلي بمرض أقعده، في الفراش، وصبر مدة طويلة، ولما أراد أن يشكو حاله
إلى الله عبر بهذه الكلمة الرقيقة الجميلة ﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ ﴾. إذاً الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر بل هي من كمال العبودية لله
- جلّ جلاله - . أما الشكوى من الله فهي التي تنافي الصبر، أن تشكو الخالق إلى
المخلوق، وأن تشكو الرازق إلى المرزوق، وأن تشكو الرحمن الرحيم، إلى من لا يرحم،
فالله - جلّ جلاله - ليس أحد أرحم بعباده منه، ليس أحد أرحم بخلقه منه، أولم يقل
نبينا - صلى الله عليه وسلم - ( لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها ) . إذاً
الصبر أيها الأحبة هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن
المعاصي . أقسام الصبر ومن هنا، يقسم علماؤنا الصبر اصطلاحاً إلى ثلاثة أقسام،
تدبر معي، يقسم علماؤنا الصبر من الناحية الاصطلاحية إلى ثلاثة أقسام، صبرٌ أو
صبرٍ واللغتان صحيحتان: صبرٌ على الطاعة، أو صبرٌ على المأمور. وصبرٌ عن المعصية،
أو صبرٌ عن المحظور. وصبرٌ على البلاء، أو صبر على المقدور . أكرر الصبر ثلاثة
أقسام: صبرٌ على الطاعة، اللهم اجعلنا وإياكم ممن يصبرون على طاعته، صبر على
الطاعة أو صبر على المأمور، أي صبر على ما أمرك الله - عزّ وجلّ - به، وهذا يا
أخوة من أرقى وأجل مراتب وأقسام الصبر أن تصبر نفسك على طاعةالله - جلّ جلاله -
فالنفس جموح ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي
إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[يوسف:53]. فمن صبّر نفسه على طاعة الله على أن
يقوم ليصلي الفجر في جماعة في شدة البرد، على أن يقوم ليصلي لله بالليل وأن ينتزع
نفسه من الفراش من بين أحضان زوجه الحسناء، على أن يمتنع عن أكل الحرام، على أن
يمتنع عن أكل الربا، على أن يغض الطرف عن الحرام مع كثرة الفتن، على أن يكف لسانه
عن الغيبة والنميمة، مع أن الغيبة صارت فاكهة

المجالس، فمن يصبر نفسه على
طاعة الله - سبحانه وتعالى - ويمتثل الأمر فهذه رتبة من أعظم الرتب، ودرجة من أعلى
الدرجات

.




وصبر عن المحظور، أي عن المعصية، أن تصبر نفسك وأن تبتعد عن معصية الله -
تبارك وتعالى - ولا شك أنها درجة أيضاً من أعظم الدرجات، أن تنتهي عما نهاك الله -
تبارك وتعالى - عنه وعما نهاك عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن تصبر على
المعاصي مع كثرة الشهوات، التى تحيط بك من كل ناحية. إنها فتن كقطع الليل المظلم
ومع ذلك يصبر المؤمن نفسه على الطاعة وعن المعصية ويبتعد عن بيئة المعصية ويلقي
بنفسه في بيئة الطاعة، فهذه درجة من أعظم الدرجات، وهذه قربة من أعظم القربات، ذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وصبر على البلاء، أو صبر على
المقدور، قال الله - جلّ جلاله - ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[لقمر:49]
وقال الله - جلّّ وعلا - ﴿ الم ﴿1﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ
يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ ﴿3﴾﴾[ العنكبوت:1-3]. الإيمان يا أخوة ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة
فقط، لا، بل معتقدنا الذي ندين الله به أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان
وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كما سنفصل إن شاء الله بعد
ذلك. فالإيمان ليس كلمة ترددها الألسنة فحسب، الإيمان أمانة ذات تكاليف، ومسئولية
ضخمة ذات أعباء، والله - تبارك وتعالى - يبتلي أهل الإيمان، ليميز الخبيث من
الطيب، ليظهر الصادق من الكاذب، فكثير من الناس يردد كلمة الإيمان يحسبها سهلة
هينة خفيفة الحمل، فهو يردد كلمة الإيمان وهو سائر على درب الدعوة، وعلى الطريق
إلى الله

-
تبارك وتعالى - مع السائرين إن
حصل من المغانم ما حصل ومن المكاسب المادية ما حصل فهو سائر على الدرب، أما إن
تعرض لمحنة، وإن تعرض لفتنة، وإن تعرض لابتلاء، نكص على عقبيه هذا لا يستحق أن
يشرف برفع راية الدعوة إلى الله، وليس جديراً أن يسير على هذا الطريق على درب
الأنبياء، على درب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين
.




ولو كان، احفظوا مني هذا، لو كان طريق الدعوة إلى الله هيناً ليناً سهلاً
مفروشاً بالورد والزهور والرياحين لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة، ولاختلطت
حينئذ دعوة الحق بدعاوى الباطل وما أكثرها . أكرر هذا الكلام لأهميته أقول: ليس
الإيمان مجرد كلمة ترددها الألسنة فحسب، كلا بل الإيمان قول وتصديق وعمل، الإيمان
أمانة عظيمة، ومسئولية كبيرة ذات تكاليف، ذات أعباء، ولا يجوز أبداً أن يردد
الإنسان كلمة الإيمان دون أن يمحص وأن يبتلى، أيثبت على الدرب أم ينكص على عقبيه؟
قال - جلّ جلاله - ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ
أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى
وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾[الحج:11]
. للهم ثبتنا على الحق وعلى الإيمان ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ
عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ﴾ إن حقق المكاسب والمغانم
سواء كانت مادية أو معنوية، فهو سائر على الدرب على طريق الإيمان مع السائرين، أما
إن تعرض لمحنة ولم يكن صادقاً نكص على عقبيه، وترك الدرب، وقال أريد أن أربي
الأولاد، أريد أن أعيش سعيداً، لا أريد أن أتعرض لأذى، لا أريد أن أتعرض لفتن، لا
أريد أن أتعرض لمحن، هو يتصور أن كلمة الإيمان مجرد كلمة، أو أن الإيمان كلمة فقط،
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا
يُفْتَنُونَ ﴾[العنكبوت:2] لا، لا، ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾[العنكبوت:3]
واسمحوا لى أن أطيل النفس الآن في هذه المسألة؛ لأنني أعالج بها واقعاً تحياه
الأمة الآن، أعالج بها واقع شباب الصحوة الذي يعاني ويتساءل في كل لقاء من
اللقاءات، فالفتن كثيرة والمحن كثيرة، والشباب إلى الآن لا يريد أن يتعلم أبداً
الصبر، الشباب متعجل، ومن تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه، الشباب يستكثر هذه
المحن والفتن والابتلاءات التي تمر بها الأمة الآن ويتساءل أين النصر؟ أين العزة؟
أين الاستعلاء؟ أين التمكين؟ أين الاستخلاف؟




بل لقد قال لي قائل بنفس اللفظ قال لي يا شيخ: هل خلق الله الكون ونفض يديه
من الكون ولم يعد الله قادراً على ضبط الكون بميزان الحق والعدل ؟ ألا يرى هذه
الدماء التي تسفك، والأشلاء التي تمزق ؟




أنستنا العجلة سنن الله الثابتة في الكون، إن لله سنناً ربانية لا تتبدل
ولا تتغير ولا تجامل تلك السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات
المحاباة . لقد هُزم المسلمون في أحد، لا تجمل اللفظة أبداً، نعم هُزموا، وقائد
الميدان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتساءل الصحابة كيف نهزم ؟ وقائد
الميدان رسول الله، كيف نهزم وعدونا هم المشركون؟ فنزل قرآن يربي الصحابة والأمة
من بعدهم ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ لا تعلق أخطاءك على
الحكام تارة ولا على العلماء تارة ولا على الأعداء تارة بل تقصيرك أنت هو السبب،
وتقصيري أنا هو السبب، لماذا أنظر إلى القذاة في عينك، وأغض الطرف عن عود في عيني؟
لماذا نبرر لأنفسنا دائماً الأخطاء والتقصير؟ لماذا نعلق دائماً على غيرنا،
ونتجاهل سنن الله في الكون التى لا تجامل أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من
مقومات المحاباة؟ تسمع الآن من يقول إحنا حبايب النبي، وإحنا بتوع النبي، واللى
يحب النبي يزأ"يدفع"، ما هذا ؟ هذا خلل في فهم القرآن وفى فهم السنة وفي
فهم سنن الله الكونية التى يضبط بها الكون، ويضبط بها الحياة. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا
يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الرعد:11] . قال
تعالى ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى
قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الأنفال:53] سنن ثابتة لا تتبدل
ولا تتغير، فالشباب الآن متعجل النصر مع أننا لم نبذل بعد كل أسباب النصر، كل
أسباب التمكين، كل أسباب العز، لا نريد إلى هذه اللحظة أن نتعلم الصبر. الكل متعجل
بل الكل يتساءل الآن وربما بجرأة لماذا لا ينصرنا الله ؟ لماذا؟ جرأة على الله -
تبارك وتعالى - أنت لست مسئولاً عن النتائج، ولست أغير على دين الله من الله، ولست
أغير على المستضعفين الذين تسفك دماؤهم وتمزق أشلاؤهم من الله، ولست أغير على
الدين ولا على الأمة من الله، لكن الله لا يعجل لعجلة أحد . تدبروا هذا الدرس أيها
الأحبة، ولكن الله لا يعجل لعجلة أحد أبداً، ما عليك إلا أن تبذل وأن تأخذ
بالأسباب وأن تبذر في حقل الإسلام بذراً صحيحاً على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة
وأن نتأدب مع الله وندع النتائج له - تبارك وتعالى - فإن الله - عزّ وجلّ - لا
يعجل بعجلة أحد . وأكرر من تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه، سنن ثابتة لا تتبدل
ولا تتغير . فتدبر معي مرة أخرى قول الله - جلّ جلاله - ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ﴾ ويفتح صدره على آخره آمنا، ثم إذا تعرض لمحنة
أو فتنة أو ابتلاء، نكص على عقبية وترك الدرب وحاد عن الطريق ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ
أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ وَلَقَدْ
فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ تصور أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -
يبتلى ويؤذى فالطريق لابد أن تؤذى فيه، ولابد أن تصبر نفسك على الأذى الذي ستتعرض
إليه على هذا الدرب وعلى هذا الطريق. فمن سلك هذا الدرب لابد أن يؤذى، قال - جلّ
جلاله - ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾[الفرقان:31]
. وقال - جلّ جلاله - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ
آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿29﴾ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿30﴾ وَإِذَا
انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿31﴾ وَإِذَا رَأَوْهُمْ
قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿32﴾﴾ [ المطففين:29-32] أصوليون، وصوليون،
فضوليون، فوضويون، همجيون، رجعيون، متأخرون، متخلفون، جامدون، لا يفهمون الواقع،
لا يعرفون شيئاً عن الزمن، إلى آخر هذه التهم المعلبة، التى تكال الآن للمؤمنين في
الليل والنهار، سنة، سنة، لا تتعجل ولا تغضب ولا تحزن، بل أنا أتصور أن المؤمن
العاقل يستبشر لأن الله يشهد له في هذه الآية بالإيمان إن تعرض للأذى والتهم وهو
على الحق فليبشر؛ لأنها شهادة له من الله أنه على الإيمان ﴿ إِنَّ الَّذِينَ
أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴾ شهادة من الله تعالى.
فأرجو أن تتصوروا أنه ما من رسول ولا نبي ولا مصلح سلك هذا الدرب سلك الطريق إلى
الله، سلك طريق الدعوة إليه - جلّ جلاله - إلا وتعرض للأذى إلا وتعرض للمحن، إلا
وتعرض لابتلاءات، والمؤمن هو الذي يصبر نفسه على الأذى وعلى المحن وعلى الفتن حتى
يلقى الله - جلّ جلاله - وليس من الضرورة أن يجني ثمرة الصبر في حياته بل النصر
الحقيقي أن تموت وأنت على الدين . هذا هو النصر، أن تظل ثابتاً على دين الله - جلّ
جلاله - حتى تلقى الله - تبارك وتعالى - وليست بالضرورة ألبتة أن تجني ثمرة الصبر
على الأذى في عصرك في عهدك، ولا في عهد ولدك ولا في عهد أحفادك ليس هذا من شأننا
ولا من شأن العبيد، إنما هو أمر شأن العزيز الحميد - جلّ جلاله - الذي ينصر دينه
وقتما أراد أن ينصر دينه، ويمكِّن لدينه في الوقت الذي أراد أن يمكِّن لدينه، فما
علينا نحن إلا أن نبذل وأن نمتثل وأن نجتنب، وأن نقف عند الحد وأن نعمل ما أمر
الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن ندع النتائج له - تبارك وتعالى - . ما
من نبي ولا رسول إلا وتعرض للأذى ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ﴾[الأنعام:
34] انظر إلى هذا الخطاب إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَلَقَدْ
كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى
أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام:34]. تصور أن الأذى يشتد بالنبى - صلى الله عليه
وسلم - وهو صاحب أطهر وأشرف نفس يشتد به الأذى على الحد الذي يحتاج فيه النبي إلى
أن يُذَكر من ربه العلي بقوله ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ
الرُّسُلِ ﴾[الاحقاف:35] . هل استوعبتم مني هذه الكلمات؟ أقول تصور أن الأذى قد
اشتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحد الذي احتاج فيه نبينا وهو صاحب النفس
الزكية، وهو صاحب النفس المطمئنة، وهو صاحب التوكل على الله - جلّ جلاله - يحتاج
من شدة الأذى، أن يذكره ربه - تبارك وتعالى - بقوله ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ أمر ﴿ فَاصْبِرْ
كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ وددت
لو تدبر شبابنا واستفاد شبابنا من هذا الأمر الرباني للحبيب النبي - صلى الله عليه
وسلم - فاصبر، اصبر يا أخي لا تتعجل، العنف يهدم ولا يبني، والشدة تفسد ولا تصلح،
وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه . هذا الذي يريد
النصر والعزة والاستخلاف والتمكين، ولم تقدم الأمة الآن كل أسباب النصر والعز
والاستخلاف والتمكين، هذا متعجل ويريد أن يجني الثمرة قبل أن تنضج، وهذا مخالف
لسنن الله في الكون . يا أخي كلنا يحب ثمرة المانجو، لكن أتحداك أن تأكل ثمرة من
ثمار المانجو قبل أن تطيب، لا تستطيع، ستلفظها . فمن تعجل الشيء قبل آوانه عوقب
بحرمانه كما ذكرت قبل ذلك مرتين . فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يحتاج إلى أن
يذكر من ربه بالصبر من شدة الأذى، من شدة الابتلاء، من شدة المحن التى تعرض لها،
بل من أول لحظة أيها الأحبة ارتقى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - جبل الصفا
بعدما أمر من الله - جلّ جلاله - بالبلاغ، ونادى النبى على بطون قريش والحديث في
الصحيحين ( يا بني فهر يا بني عدي ) ينادي على بطون قريش فاجتموا ووقفوا بين يديه
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن
تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم، ما جربنا عليك كذبا ) انظر إلى بلاغة وحجة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( قالوا نعم، ما جربنا عليك كذبا، قال إني رسول
الله إليكم بين يدي عذاب شديد، فقال عمه أبو لهب تباً لك سائر اليوم يا محمد،
ألهذا جمعتنا ؟ ) فاقتص الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ودافع عنه فنزل قوله -
جلّ جلاله - ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿1﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ
وَمَا كَسَبَ ﴿2﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿3﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ ﴿4﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿5﴾﴾[ المسد:1-5]. من هذه اللحظة
يا أخوة تعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصناف الأذى والفتن والمحن والابتلاء،
بل لقد أبرقت مكة وأرعدت وأرغت مكة وأزبدت ودقت طبول الحرب وأوعدت، وصبت مكة كلها
جام غضبها على ابنها البار الذي خلعت عليه بالإجماع قبل النبوة الصادق الأمين، لا
إله إلا الله، هم الذين لقبوه بهذا، هم الذين خلعوا عليه هذا اللقب، دخل علينا
الصادق الأمين، ومع ذلك فهم الآن يصبون جام غضبهم عليه لأنه يدعوهم الآن إلى توحيد
الله - تبارك وتعالى - والكفر بالطواغيت والأنداد والأرباب والآلهة المكذوبة
الباطلة المدعاه. من هذه اللحظة لم يتوقف الأذى، بل والله لقد تعرض النبي للخنق
على يد عقبة بن أبي معيط، عليه من الله ما يستحقه، حتى كادت أنفاس النبي أن تخرج
وجاء الصديق ليرد هذا الشقي الفاجر عن رسول الله وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول
ربي الله. وضع التراب على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - كما روى الطبري وغيره
بسند حسن، بل لقد وضعت النجاسة على ظهره - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد بين يدي
الله - تبارك وتعالى - كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه
- قال ( قال أبو جهل أيكم يجيء بسلا جذور بني فلان فيلقيه على ظهر محمد إذا سجد،
فانبعث أشقى القوم، عقبة بن أبي معيط، وجاء بسلا الجذور، بهذه القاذورات،
والنجاسات وانتظر حتى سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فألقى هذا الشقي النجاسة
على ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد ) أرجو أن تعيش هذا المشهد، ( وظل
النبي ساجدا والمشركون المجرمون يحيل بعضهم على بعض أي يضحكون ويتمايلون بطراً
وكبراً ورسول الله ساجد والنجاسة على رأسه وعلى ظهره، يقول عبدالله بن مسعود وأنا
لا أستطيع أن أفعل له شيئاً، حتى جاءت فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- وأزالت النجاسة عن ظهره الشريف، فجلس النبي بعدما انتهى من صلاته ويقول اللهم
عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش)، أنا أسألك أخي هل وضعت النجاسة
على ظهرك؟ هل وضع التراب على رأسك؟ هل خنقت خنقاً شديداً حتى كادت أنفاسك أن تخرج
وأنت على هذا الدرب على طريق الله - تبارك وتعالى - ؟ هذا نبينا يؤذى هذا الإيذاء،
بل لقد قال أبو جهل والحديث رواه مسلم أيعفر محمد وجهه بين أظهركم، يعني يأتي ليسجد
لربه بين أظهرنا، واللات والعزى لئن جاء محمد ليسجد لأطأن عنقه ولأعفرن وجهه، يزعم
هذا الوغد أنه سيطأ بقدمه عنق ورأس رسول الله وهو ساجد بين يدي ربه - جلّ جلاله -
وبالفعل سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه فجاء أبو جهل وهو يزعم أنه سيطأ
عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففاجئ القوم بأنه يعود إلى الخلف القهقرة
ويدفع بيديه هكذا، هكذا، قالوا ما وراءك يا أبا الحكم، قال إن بيني وبين محمد
خندقاً من نار، وإني لأرى أجنحة فلما انفلت النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلاته
قال ( والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواًَ ) . بل لقد قال
النبي يوماً لعائشة كما في الصحيحين ( قالت يا رسول الله هل أتى عليك يوماً أشد من
يوم أحد؟ ) أحد تعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم للقتل، بل لقد شج
وجهه الشريف، ودخلت حلقة المغفر في وجنتيه الشريفتين، وكسرت رباعيته، وانتشر
بالفعل في الميدان خبر قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد ألقى بعض الصحابة
السلاح بالفعل، واستسلموا للموت، حتى مر عليهم أنس بن النضر وحديثه في الصحيحين
قال ما تصنعون لما ألقيتم السلاح ؟ قالوا مات رسول الله فما نصنع بالحياة بعده؟
قال قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله . إلى هذا الحد ؟ نعم فالسيدة عائشة
تقول ( هل أتى عليك يوماً كان أشد من يوم أحد؟ ) اسمع ماذا قال ( قال لقد لقيت من
قومك ما لقيت يا عائشة، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ) يقصد يوم الطائف ( يوم
عرضت نفسي على ابن عبد يليل بن عبد كلال ) وهو من أشراف أهل الطائف ( فلما لم
يجبني إلى ما أردت عدت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ) قرن
الثعالب مكان يبعد عن الطائف بخمسة كيلو . تصور أنه لم يستفق من الهم من الألم من
الأذى، دعوة مطاردة، وأصحاب مشردون في الحبشة، وأصحاب معذبون في مكة، وصاحب الدعوة
مطارد، ( لم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب وإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فرأيت
جبريل - عليه السلام - ينادي السلام عليك يا محمد ) - صلى الله عليه وسلم - ( إن
الله سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك وقد أرسل إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت،
قال فناداني ملك الجبال وقال السلام عليك يا محمد، إن الله بعثي إليك فمرني بما
شئت، لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت ) والأخشبان جبلان عظيمان يقال للأول
أبو قبيس ويقال للثاني الأحمر (لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت ) . والله
يا أخوة لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مما ينتقم لذاته ويثأر لنفسه لأمر
النبي ملك الجبال فلحطم ملك الجبال هذه الرؤوس الصلدة والجماجم العنيدة، ولسالت
بحور من الدماء لا أقول ليراها أهل الطائف بالطائف، بل ليراها أهل مكة بمكة، لكنه
ما خرج لذاته قط، وما انتقم لنفسه أبداً، بل خرج وهو يحمل في قلبه ربيعاً يتجدد
يتنفس، خرج وهو يحمل في قلبه أملاً ينمو كل لحظة لذا يقول لملك الجبال ( لا يا ملك
الجبال، بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) . إنه
نهر الرحمة وينبوع الحنان، هذا نبينا، أنا لم أتكلم عن الأذى الذي تعرض له نوح،
ولم أتكلم عن الأذى الذي تعرض له إبراهيم ، ولم أتكلم عن الأذى الذي تعرض له موسى،
أو تعرض له عيسى، أو تعرض له زكريا، أو تعرض له يحيى، وإنما أتكلم عن الأذى الذي
تعرض له نبينا، فهو أشرف نبي وأقرب نبي من الرب العليّ ومع هذا يتعرض لهذا الأذى، ويتعرض
لهذه المحن، وهذه الفتن، وهذه الابتلاءات. قيل له يا رسول الله، أي الناس أشد
بلاءً ؟ قال ( الأنبياء ) أنا لا أقول العصاة، ولم يقل مذنبون وإنما قال (
الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد
له في البلاء، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ) وفى لفظ قال - صلى الله
عليه وسلم - ( وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه

يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة )




ارجع معي للآية ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾[العنكبوت:2-3].
قد يسألني الآن طالب علم نجيب هنا أو هنالك في أي مكان من العالم ويقول وهل ربنا -
جلّ جلاله - لا يعرف الصادق من الكاذب إلا بعد أن تقع الفتنة والمحنة والابتلاء ؟
الله - جلّ جلاله - يقول ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ وهل لا يعلم الله الصادق من الكاذب إلا بعد وقوع
الفتنة والمحنة والابتلاء ؟ كلا كلا، فالله - جلّ جلاله - يعلم ما كان وما هو كائن
وما سيكون وما لم يكن، لو قدر الله - عزّ وجلّ - له أن يكون لعلم كيف يكون. ما من
جبل على ظهر الأرض إلا ويعلم الله ما في قعره ما في وعره، وما من بحر ولا نهر على
سطح الأرض إلا ويعلم الله ما في وعره، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه، قال -
جلّ جلاله - ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا
يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾[الأنعام:59] . إذاً لماذا؟ تدبروا هذا الجواب
البديع، قال علماؤنا: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾[العنكبوت:3]
قالو: الله - عزّ وجلّ - لا يحاسب الخلق بمقتضى علمه فيهم، وإنما بمقتضى عملهم هم،
فالله يعلم الصادق من الكاذب، لكن تأتي المحنة لتثبت للصادق صدقه، وللكاذب كذبه،
فلا يعامل الخلق بمقتضى علمه فيهم وهو الحكم الحق العدل - جلّ جلاله - وإنما
بمقتضى عمل الخلق بأنفسهم، فيعامل أو يجازي الصادق على صدقه ويجازي الكاذب على
كذبه، ثم ليظهر للصف المسلم الصادق من الكاذب . قد يندس الكذابون والمنافقون في
الصف فتأتي المحن لتبرز المنافقين ولتظهر الكذابين. إذاً لا تظهر المعادن إلا بعد
التمحيص، كالذهب لا يخلص من الشوائب العالقة به إلا بعد أن يدخل النار، كذلك
الفتنة تأتي لتصفى الصف لتميز الخبيث من الطيب، لتمحص العاملين والسائرين على
الدرب، قال - جلّ جلاله - ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ﴾ والله الذي لا إله غيره لم أجد في قواميس اللغة على
وجه الأرض مرادفاً لقوله - جلّ جلاله - ﴿ وَزُلْزِلُوا ﴾ أبداً أترك لك أنت أن
تتصور حجم هذا الزلزال ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ﴾ اسمع ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾[البقرة:214].
وقال - جلّ جلاله - ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾[آل
عمران:142]. الأمر ليس فوضى وليس ادعاءً فما أيسر الإدعاء وما أرخص الكلام، وما
أسهل الزعم، والتنظير البارد بارد وميسور ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ
الصَّابِرِينَ ﴾ ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ
كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ
الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾[يوسف:110] . إذاً لابد من الأذى ولابد من المحن ولابد
من الفتن، ولابد من الابتلاءات، بل الله - جلّ جلاله - يربي الأمة بالمحن، هل
استوعبت هذه اللفظة، الله - جلّ جلاله - يربي الأمة بالمحن، بل وأنا أتصور أن أعصف
محنة تعرض لها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعرض لها الصف المسلم معه هي محنة
الإفك، لماذا؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المحنة اتهم في عرضه اتهم
في شرفه، واتهمت عائشة في شرفها وعرضها، واتهم صفوان بن المعطل السلمي واتهم
الصديق - رضي الله عنه - واتهم المجتمع الإسلامي كله بهذه التهمة النكراء، ومع ذلك
يقول الله - جلّ جلاله - في هذه المحنة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ
عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾[النور:11]
. قال - جلّ جلاله - ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾[البقرة:216] . فلابد من
المحن ولابد من الفتن ولابد من الابتلاءات ولابد من الصبر على الأذى في هذا الدرب،
إنها سنة ربانية لا تتبدل ولا تتغير . نسأل الله - عزّ وجلّ - أن يرزقنا الصبر على
المحن والفتن والابتلاءات حتى نلقاه إنه ولي ذلك ومولاه . قال المصنف رحمه الله
تعالى ( وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَالْعَصْرِ ﴿1﴾
إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴿3﴾﴾[ العصر:1-3
] .
قال الشافعي رحمه الله تعالى لو
ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم
).




الدليل على هذه المسألة الرابعة التي فصلت فيها القول آنفاً هو قول الله -
تبارك وتعالى - ﴿ وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾﴾ يستدل
المصنف بهذه السورة الكريمة على هذه المسألة الرابعة بل على المسائل كلها . بسم
الله الرحمن الرحيم ﴿ وَالْعَصْرِ ﴿1﴾﴾ قسم، الله - جلّ جلاله- يقسم بالعصر والعصر
هو الدهر، فهو محل الأحداث من خير وشر، ومن أهل العلم من قال بأن المراد بالعصر
هنا هو عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أهل العلم من قال أن المراد بالعصر
هنا صلاة العصر كما ثبت في الصحيح . والله - جلّ جلاله - له أن يقسم بما شاء من
خلقه وليس للمخلوق أن يقسم إلا بالخالق - تبارك وتعالى - فالله - جلّ جلاله - يقسم
بالعصر بالدهر بالأيام والليالي ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾[الفرقان:62] . ﴿
وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾﴾ . إن الإنسان، كل الإنسان لفي
خسر، أي لفي خسران، واستثنى الله - تبارك وتعالى - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴿3﴾
﴾ . إيمان بالله
- تبارك وتعالى - وهذا الإيمان لابد أن ينبني عن العلم إذ لا يصح الإيمان إلا
بالعلم إلا بأن تعرف الله وتعرف نبيه وتعرف دينك. الإيمان بالله - تبارك وتعالى -
والعمل الصالح، والعمل الصالح هو كل عمل يقربك إلى الله - جلّ جلاله - بشرط أن
تبتغي به وجه الله - تبارك وتعالى - وأن يكون عملك هذا موافقاً لهدي رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - . ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ . ألا وهو الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر بغير منكر . ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾، لابد أن تعلم أنك إن
سلكت الدرب ستتعرض للمحن والأذى فلابد أن تصبر نفسك وأن تدعو غيرك إلى الصبر، ﴿
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ . هذا بإيجاز في قول الله - تبارك وتعالى - ﴿
وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴿3﴾﴾[
العصر:1-3]. أسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا الإيمان وأن يرزقنا العمل وأن
يزرقنا التواصي بالحق وأن يزرقنا التواصي بالصبر إنه ولي ذلك والقادر عليه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لماذا ذكر الشيخ رحمه الله هذه المسائل قبل شرح
الثلاثة الأصول ؟ ذكر الشيخ كما بينت في أول لقاء هذه المسائل الأربع، وذكر بعد
ذلك موضوعات ثلاثة أخرى سنفصلها إن شاء الله تعالى بين يدي الأصول الثلاثة بمثابة
المقدمة بين يدي الحديث عن هذه الأصول . وقد ذكرت أن هذه المسائل والموضوعات
الثلاثة التي ذكرها الشيخ رحمها الله في المقدمة تشمل الدين كله، كما بينا فهي لا
تقل أبداً أهمية عن الأصول التي سيشرحها أو سيفصلها الشيخ بعد ذلك؛ لأننا كما
رأينا نتكلم عن العلم بالله وعن معرفة الله وعن معرفة رسوله وعن معرفة الإسلام،
ونتكلم عن العمل بهذا العلم، ونتكلم عن الدعوة إلى هذا، ونتكلم عن الصبر على الأذى
فيه. أتصور أن هذا كما قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى قال هذه المسائل تشتمل
على الدين كله، فهي بمثابة المقدمة والتوطأة بين يدي الأصول ولا تقل أهمية أبداً
عن حديثه رحمه الله تعالى عن الأصول الثلاثة كما سنبين إن شاء الله . السلام
عليكم، السؤال الأول: كيف نجمع بين قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس (
احفظ الله يحفظك ) أي أن الله يحفظ العبد من السوء والأذى إذا حفظ الله وبين قول
النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أن المؤمن يبتلى على قدر إيمانه ) أي أنه يصيبه
الأذى كلما ارتفع إيمانه. السؤال الثاني أيهما أكمل وأفضل الصبر على الطاعة أم
الصبر عن المعاصي ؟ لا يتنافى هذا مع ذاك على الإطلاق فنحن نتفق على أن الله -
تبارك وتعالى - يحفظ عبده المؤمن إذا شاء أن يحفظه في الوقت الذي يشاء . ( احفظ
الله يحفظك ) أي بامتثال أمره واجتناب نهيه والوقوف عند حدوده كما قال الحافظ ابن
رجب رحمه الله تعالى في كتابه الماتع جامع العلوم والحكم . ( يحفظك ) أي يحفظ الله
- تبارك وتعالى - من كل أذى ومن كل سوء ومن كل ابتلاء، هذا لا يتنافى أبداً مع أن
الله - عزّ وجلّ - قد يقدر على عبده في وقت من الأوقات نوعاً من الأذى أو نوعاً من
الابتلاء في الوقت الذي يشاء بالقدر الذي يشاء، والابتلاء على درجات . يبتلى المرء
للتمحيص، كما بينت الآن . أو يبتلى المرء للتطهير، كما ذكرت الدليل ( لا يبرح
البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة ) . فإن ابتلي العبد فمحص
وهذا بتقدير الله - تبارك وتعالى - لا يتنافى مع حفظ الله للعبد، بل قد يكون خيراً
من الله للعبد وهو لا يدري فقد يبتلي الله للتمحيص فإن ثبت العبد ولا زال البلاء
مقيماً بالبعبد يطهر العبد بهذا الابتلاء فإن طهر العبد بالابتلاء ولا زال صابراً
ولا زال البلاء مقيماً به فإن الله - عزّ وجلّ - يرفع به درجته عنده - تبارك
وتعالى - لأن الله ابتلى الأنبياء كما ذكرت . لم يبتلِ الله نبيه محمداً للتمحيص،
ولم يبتلِ نبيه محمداً للتطهير بدليل قوله تعالى ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾[ الفتح:2] . وإنما ابتلاه وظل البلاء
به كما بينت ليرفع بهذا الابتلاء درجته عنده - تبارك وتعالى - إذاً لا يقع شئ في
الكون إلا بتقديره في الوقت الذي يشاء وبالقدر الذي يشاء، وهذا لا يتنافى مع حفظ
الله للعبد إذا شاء - سبحانه وتعالى - كيف شاء والله أعلم. أيهما أفضل الصبر على
الطاعة أم الصبر على المعصية ؟ هذه مسألة فيها خلاف بين أهل العلم لكن الراجح الذي
رجحه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره من المحققين أن الصبر على الطاعة
أفضل من الصبر على المعصية، الله تعالى أعلم. يقول هل استعمال الحبوب المسكنة
للآلام باستمرار وعند الإحساس بالألم سواء كان شديداً أو خفيفاً منافياً للصبر،
وهل هو دليل على عدم الصبر ؟ أسأل الله أن يرفع عنا وعنك البلاء وأن يشفي مرضى
المسلمين وهذا بفضل الله - جلّ جلاله - لا ينافي الصبر ، لأن النبي - صلى الله
عليه وسلم - ( ما من داء إلا وجعل الله له دواءً فتداووا ) فطلب الدواء من السنة
وحقيقة التوكل صدق اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب، يقول سهل بن عبد الله
التستري رحمه الله تعالى، الأخذ بالأسباب يقول: من طعن في الأسباب فقد طعن في
السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان، فالأخذ بالأسباب سنة النبي - صلى
الله عليه وسلم - والتوكل على الله حال النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن كان على
حال النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يتركن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
إذاً لابد من الأخذ بالأسباب، فلا حرج عليك أيها الحبيب أن تأخذ الدواء، وهذا لا
ينافي الصبر، وقد ذكرت أن الشكوى نوعان: شكوى إلى الله وهي من ت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاتل المجرم
المراقب العام
المراقب العام
القاتل المجرم


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 13/07/2010
المشاركات: المشاركات: : 277

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالأحد يوليو 18, 2010 7:45 pm

أريد إعطائك ملاحظة بس ما تعتبرها نقد بس الموضوع طويل جدا حاول التعبير عن الفطرة بأقل كلمات
تقبل مروري
ولك مني أرق التحية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Mahmoud Sultan
عضـو متمـيز (ذهـبى)
عضـو متمـيز (ذهـبى)
Mahmoud Sultan


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 18/07/2010
المشاركات: المشاركات: : 441
الموقع: الموقع: : BeLQaS

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالأحد يوليو 18, 2010 8:00 pm

على فكره الى نيته انه داخل فعلا يتثقف بالدين ميهموش الموضوع طويل او قصير المهم كم من الفائده والمعلومات الجديده امتلكها
وجزاك الله خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ba7bk
عضو مطـــــرود
عضو مطـــــرود
ba7bk


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 02/07/2010
                                            العمر: العمر: : 31
المشاركات: المشاركات: : 336
الموقع: الموقع: : https://tearsoflove.hooxs.com/index.htm

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 20, 2010 3:45 am

التوبيك بجد تحفة وبيعبر عن اهمية حقيقية فى حياة كل واحد فينا

الصبر مفتاح الجنة

فى انتظار جديدك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القاتل المجرم
المراقب العام
المراقب العام
القاتل المجرم


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 13/07/2010
المشاركات: المشاركات: : 277

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 20, 2010 8:50 am

بس كل ما كانت الكلمات قليلة ومعبرة كان أفضل
و إقتدى بالرسول يا أيها العضو الجميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
etsh
عضو فعال
عضو فعال
etsh


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 14/07/2010
                                            العمر: العمر: : 32
المشاركات: المشاركات: : 54
الموقع: الموقع: : فى ادفى مكان فى العالم

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 20, 2010 1:33 pm

توبيك جميل اوى

جزالك اللة كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Mahmoud Sultan
عضـو متمـيز (ذهـبى)
عضـو متمـيز (ذهـبى)
Mahmoud Sultan


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 18/07/2010
المشاركات: المشاركات: : 441
الموقع: الموقع: : BeLQaS

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 20, 2010 4:27 pm

جزاكم الله خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
zahraa
مشـرفة المنتدى الاسلامى
مشـرفة المنتدى الاسلامى
zahraa


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 26/07/2010
                                            العمر: العمر: : 30
المشاركات: المشاركات: : 952
الموقع: الموقع: : www.sadstar.ahlamountada.com

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالجمعة يوليو 30, 2010 3:36 am

جزاك الله كل خير وجعلة فى ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
magic
ادارة منتديات دموع الحب
ادارة منتديات دموع الحب
magic


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 02/07/2010
                                            العمر: العمر: : 32
المشاركات: المشاركات: : 464
الموقع: الموقع: : منتديات دموع الحب

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالجمعة يوليو 30, 2010 3:56 am

مشكووور على الموضوع الجميل

جزال الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tearsoflove.hooxs.com
Mahmoud Sultan
عضـو متمـيز (ذهـبى)
عضـو متمـيز (ذهـبى)
Mahmoud Sultan


                   تاريخ التسجيل: تاريخ التسجيل: : 18/07/2010
المشاركات: المشاركات: : 441
الموقع: الموقع: : BeLQaS

 الصبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصبر    الصبر Icon_minitimeالسبت يوليو 31, 2010 10:48 pm

شكرا لمرورك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصبر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات دموع الحب :: المنتدى الاسلامى :: المنتدى الاسلامـــى العــــــام-
انتقل الى: